تسريب جديد يضرب ”الإخوان المسلمين” في مقتل
تتوالى الهزائم على تنظيم جماعة الإخوان الإرهابية سواء فكريا أوسياسيا أو تنظيميا، غير أن هزيمتهم في ميدان الأخلاق وانهيار منظومة القيم لديهم تعد أسوأ هزيمة على الإطلاق.
فبعد نشوب صراع حاد على قيادة الجماعة فيما عرف بجبهتي لندن وإسطنبول، ظهرت تسريبات أخرى تكشفت أكذوبة تمسك الجماعة بالقيم والأخلاق، بعدما تبادلوا الاتهامات بالعمالة لأجهزة مخابرات إقليمية ودولية، وكذا سرقة أموال التنظيم.
أحدثها كان تسريب صوتي للقيادي "محمد البحيري" وهو من أهم الشحصيات الحركية في التنظيم الدولي للإخوان، سبب ارتباكاً في صفوف الإخوان.
التسريب أثبت بالدليل القاطع وباعتراف قادتهم، أنهم لا يتورعون عن التدليس والكذب والتذوير من أجل مصالحهم، فمن سياق المقطع نكتشف اضطراباً فكرياً واضحاً وازدواجية عجيبة في منظومة القيم، واختلالاً في التركيبة النفسية لقيادات الإخوان، غير أن الأخطر في المقطع الصوتي الإحساس وجود تهديدات خفية يخافها القيادي في التنظيم الدولي دون أن يفصح عنها.
المقطع الصوتي للبحيري بدأه بتوجيه التحية لمجموعة من الشخصيات بقوله "الأخ الحبيب عبد الله حامد والأخ الحبيب محمد القصبي، ثم يتردد في أن يصف ثالثهم بالأخ أو بالابن ولكن يكتفي بذكر اسمه مجرداً "إبراهيم فودة"، ثم يكشف عن الغرض من الرسالة الصوتية وهو عتاب منه إلى تلك الشخصيات على ما قاموا به، إذ غرروا به لما كانوا في زيارته في منزله بداعي قضاء ليلة إيمانية معاً، ثم تجاذبوا الحديث معه عن حقيقة ما صدر من القيادي أمير بسام واتهامه للبحيري ومحمود حسين وغيرهما بامتلاكهم فيللاً وشققاً وسيارات من أموال الجماعة، والتي كانت مخصصة لرعاية الشباب الهارب في إسطنبول.
ونقلت أيضا المجموعة على لسانه أنه يؤيد محمود حسين وأنه يراه على صواب في خلافه مع إبراهيم منير وأنه يقف إلى جواره وأن الحق معه وأنه يأذن لهم أن يقولوا وينشروا على لسانه تلك الحقائق.
ورغم إنكار البحيري لتلك التصريحات إلا أن "إبراهيم فودة" قام بنشرها للصف الإخواني عبر منصات التواصل السرية، و"فودة" يعد مسؤول الملف الإعلامي للإخوان، ويتهمه البعض بأنه مسؤول اللجان الإلكترونية الإخوانية، وتسبب نشر الشهادة بارتباك بين أتباع البحيري والمتأثرين بشخصه، وطالبوه بتوضيح موقفه بصورة لا لبس فها ولا غموض.
هنا أرسل البحيري لزائريه، مؤكداً أنهم خدعوه ولم يقولوا إنهم، في مهمة صحفية، وأخبرهم أن المجالس بالأمانات، ثم طالبهم بسحب شهادته المكذوبة من المنصات الإخوانية، مؤكدا أنهم في حال لم يسحبوها، فإنه سيقوم بالدعاء عليهم، ثم ينفعل في جملة منفصلة عن السياق موجهاً كلامه إلى إبراهيم فودة، في ذعر واضح لا يخفى على أحد، أنه بتلك الشهادة يضعه في خطر شديد سواء عليه أو على أبنائه؟!
مقطع صغير؛ لكن ذا دلالات أكبر بكثير من مجرد نفي تصريحات، فمن خلاله نكتشف خللاً أخلاقياً، فلا مانع لديهم من الكذب والتدليس والتزوير من أجل الحصول على تصريح يصب في مصلحة الجبهة التي ينتمون اليها، هذه الآفة منتشرة بين صفوف الإخوان، ومتجذر في سلوك عناصرها، المأساة أنهم لا يرون الكذب على الآخر سلوكاً مشيناً، متعللين بأنهم لا يكذبون لأنفسهم، بل يكذبون لصالح الدعوة التي هي في صالح الإسلام وهكذا ينحدر الإخوان بعيداً عن القيم الإسلامية والإنسانية.
كما نكتشف خللاً ثانياً متمثلا في أحادية التفكير، التي تعني أنه يمتلك فكرة واحدة صحيحة وما دونها هو الخطأ، ففي المقطع لا يتقبل البحيري أن يكون هناك أكثر من وجهة نظر، بل هو رأي واحد وفكر واحد، مما يؤدي إلى العناد في الممارسات السلوكية، وربما يفسر هذا لماذا يتشبث الجبهتان بمواقفهما دون أن يتفهما دوافع كل منهما ودون أن يتقبلا وجود آراء أخرى تحتمل الصواب، إن هذا العطب الفكري للأسف يعتبره الإخوان (جميعا) نوعا من أنواع الثبات والتمسك بالأصولية، في أنه سبب رئيسي في تفتيت التنظيم وانهياره.
المقطع يظهر خللاً جديداً، جميع الإخوان يرون أنهم ربانيون مستجابو الدعاء، لمجرد أنهم في الجماعة، بل يتعلي بعضهم على بعض بمناصبهم القيادية، فكلما ترقى الشخص في منصبه صار مستجاب الدعوة أكثر، ظهر هذا في تهديد "البحيري" لهم بأنهم إن لم يسحبوا شهادته فإنه سيقوم بالدعاء عليهم!
من سياق المقطع لم يكن يتحدث كرجل مغلوب على أمره، لم يجد إلا التوجه إلى الله بل كان يتحدث كرجل مستجاب الدعوة يهدد مستمعيه بأنه قادر على إنزال عقوبة إلهية عليهم، وللأسف تلك إحدى نتائج التربية الإخوانية إذ تجعل أعضاء الجماعة معتقدين في صلاحهم وحتمية استجابة الله لهم، وإيمانهم بالأساطير والخرافات، وابتعدوا عن جادة الطريق.
المقطع الصوتي لا يكشف حقيقة التفكير عند الإخوان وفقط ولا حقيقة تدنيهم الأخلاقي فحقيقتهم الشريرة كامنة في تعاليمهم السرية، لمسها الناس في سلوكياتهم بعد 25 يناير 2011 والتي لا تحمل الخير أبداً لا للدين ولا للدولة، غير أن أخطر ما في المقطع الصوتي هو ذعر "البحيري" من أن نشر شهادته المكذوبة كما يدعي، وأن ثمة أمرٍ فادح يخشاه، وهو قائد له مكانته العالمية والتنظيمية فقد كان يوماً من قيادات تنظيم 1965، وساهم في التخطيط لموجة من الاغتيالات وتفجير القناطر الخيرية والكباري، وهو أعلم بأسرار التنظيم المسلح وقدراته عملياته، فهل يخشى أن يكون مصيره مثل المهندس"سيد فايز" الذي قام التنظيم السري الإخواني بتفجيره أيام الهضيبي، أم يخشى مصير صديقه عبد الله عزام القيادي الإخواني الذي تم تفجيره هو وأحد أبنائه في سيارته وهو ذاهب للمسجد لصلاة الجمعة، بعدما تفاقم الخلاف بينه وبين قيادات الإخوان في أفغانستان، فهو يعترف بأن التهديدات ستطوله هو وأبناؤه.
لم يكن الانشقاق والنزاع الأخير، مجرد حادث فردي في تاريخ الجماعة، بل هو الثمرة النهائية لتنظيم الإخوان الإرهابي، فكم التصرفات المتسلطة والإسراف في توزيع الأموال على المؤيدين فقط، والتعسف في إدارة التنظيم، والكذب والتدليس والتزوير وغياب العدالة والشفافية وانتشار المحسوبية، والاستعلاء على الناس وعلى أبناء التنظيم داخلياً، كل هذا عجل بانهيار التنظيم والتشظي الإخواني.